السبت، ٢٩ نوفمبر ٢٠٠٨

الحاجات الفعلية

فى الأهرام 26/11/2008 قرأت مقالا بعنوان: حاجات فعلية أم حرية الصراخ؟.لأيمن السيسى...يقارن فيه بين أحوال قريته(نمرة البصل.مركز المحلة)قبل سنة1980 وبعدها....ولاحظ أن القرية كانت فقيرة،بيوتها من الطين،ومحرومة من كل شيئ تقريبا..

وبعد سنة 80 بدأت القرية تتسع وتزداد ثراء...بيوتها حديثة ..وبها كل الكماليات (الثلاجة والغسالة والبوتاجاز)والمحمول فى يد الجميع...ثم يقول بعد ذلك مستنكرا...أننا مازلنا نصرخ بأن هناك معدومى الدخل وفقراء!!! ويتساءل:هل هذا الصراخ المتصل..هونتيجة الحاجة بالفعل..أم هو رفاهية المطالب؟؟؟

وأستطيع القول ..أن ما قرره الكاتب بشأن قريته قد يكون صحيحا...اذا تغاضينا عن تحديد سنة80 كبداية لذلك،اذ أن تحديد الكاتب لهذا التاريخ لا يشير الا الى التوجه السياسى للكاتب،وعلى رغبته فى اضافة اسمه الىسجل المنافقين والمزورين..

قد يكون ما ذكره صحيحا...لكن هذا التطور –ان أسميناه كذلك-ليس منحة من أحد ..لكنه تراكم الجهود والعرق لأناس مكافحين بالوراثة..لكن الكاتب الذى يستكثر على أهله أن يعيشوا ماديا كالبشر لم ينظر حوله ..الى بلدان أخرى..وكيف ازدهرت فى أعوام قليلة..وتحولت صحاريها الى واحات خضراء..وعم الازدهار نواحيها وكل شعوبها...وقد ودعت هذه البلدان عالمنا...الى عالم آخر متقدم..منتج..مكتف..مصدر..يحلم فيه الشباب للمستقبل والابداع ..وليس للهروب من بلادهم..حتى ولو دفعوا حياتهم ثمنا لهذا الهروب..ليتركوا للكاتب وأمثاله تلك (الكماليات)التى يتباهى بها....وذلك لأن هؤلاء الشباب.... فى بلادهم ...افتقدواأنفسهم...!!

قد يكون مارصده الكاتب صحيحا..بشأن وجود (الكماليات)كماأسماها_فى القرى والنجوع...غير أن مراميه ليست صحيحة..ولابريئة..ولا شريفة...

ذلك لأن الكاتب اذا كان قد خرج من أحد بيوت الطين ليصبح ذا شأن ويكتب فى الأهرام ويتقاضى راتبه من أموال الشعب ..فان ابنه لن يحصل على هذه الفرصة الا بالواسطة أو الرشوة..لأن المفقود فى بلادنا هو الأمل..ففى الأيام الغابرة...أيام الفقر..ماقبل عهد (الكماليات).....كان هناك ضوء فى نهاية النفق المظلم...يستطيع كل مجتهد الوصول اليه..ربما لم يكن فى بيوتنا البسيطة ثلاجات ولا فى أيدينا موبايلات...ولكننا كنا متأكدين أن من يجتاز مراحل التعليم يصبح انسانا مقدرا من المجتمع..ويتيح له فرص الحياة الطيبة......الآن ..لا...قد فصل بين أبنائنا وطموحاتهم بفواصل بشعة...لايجتازها الا من يتسلق أكتاف بابا..أو ماما..او عمه الكبير...وافتقد الناس العدالة والمساواة ..كما لم يفتقدوها فى عصر من العصور...وهذه هى المشكلة ..الأزمة..

أزمةفكر يخون العقل..

وأقلام تخون الرسالة..

وأناس يخونون الأمة...

لم يكتفوا بتزويرارادتها..والتشويش على أهدافها..انما ماضون الى وأد أحلامها وأمانيها..

أيها السيد:الثلاجة والبوتاجازوالموبايل..ليست هى الحاجات الحقيقية..ولاالحاجات الفعلية...

ولم يصرخ أى شعب فى العالم للحصول عليها..

انما كل الشعوب ..تصرخ وتموت...من أجل حريتها...وحقها فى الحلم والأمل..والحياة...!!!

 

قولوا للراجل دا حاجة يا ناس...تعبت والله..!!!

 

 

الثلاثاء، ٤ نوفمبر ٢٠٠٨

ابتسامة الألم

الحجرة بسيطة..تضم سريرين متقابلين..ودولاب ومنضدةعليها جهاز كمبيوتر..وأجمل مافيها تلك النافذة التى تطل على الشارع وتسمح لضوء الشمس بالتجول كل يوم فى الحجرة المتواضعة...هذه النافذة كانت هى الفاصل الوحيد بين الشقيقين اللذين يسكنان  الحجرة ..منذ أكثر من ربع قرن..ويتشاركان فى كل شيء...حتى فى نوبات ألم النزف والتى تعاود كليهما بين الحين والآخر ..و التى توصف طبيا بأنها فوق احتمال البشر ..كانت عندما تواتى أحدهما النوبة.. يشعرالآخر أنه هو الذى ينزف..لحظتها ترى تقلصات الألم تنتقل من وجه أحدهما الى وجه الآخر دون عوائق..وترى انكسار المعاناةتمر بعيونهما ..فلا تستطيع أن تميز من منهما الذى ينزف ؟ومن الذى يتألم؟!
حتى الدواء الذى يحقنان به للتخفيف من حدة الألم هو نفس الدواء..ولسوء الحظ هو نادر ،وباهظ الثمن..فهوأحد مشتقات الدم..لذلك فكانت الوحدة التى يتيسر الحصول عليها تحفظ فى الثلاجة للأوقات الحرجة..ولقد اعتاد كل منهما على حقن الآخر..
الليلة ..لم تكن نهاية السهرة كبدايتها..بعد العشاء كنا على موعد مع المنتدى الانترنتى الذى نتابعه معا كل مساء تقريبا..وفى الوقت الذى احتدت فيه المناقشة حول أ حد الموضوعات السياسية..كانت نوبة النزف تهاجم ركبة الابن الأصغر..حاولنا اقناعه بالحقن حتى لا تتفاقم الحالة..لكنه آثر استخدام كمادات الثلج توفيرا للحقنة الوحيدة الموجودة..لكن النزف كان له رأى آخر..فازداد حدة وشراسة ..وسرعان ما تحولت ركبة الشاب الى مايشبه البطيخة..وكشرت الآلام عن أنيابها..وتأزم الأمر..ولم يكن هناك بد من استخدام الحقنة.. وبدأنا جميعا الاعداد لعملية الحقن..
وبينما نحن على هذا الحال..حتى فوجئنا بأن الابن الأكبر منحنيا وغير قادر على اعتدال قامته..لمحت علا مات الألم تغشى وجهه المصفر..وموجات من التقلصات الغريبة تشوه ملامحه المحببة..هل هو امتداد معتاد لآلام أخيه؟! سألته عما ألم به .. لم يجب .. كان ما يزال منكبا على اعداد الحقنة لأخيه...لكن وجهه كا ن شاحبا بطريقة مخيفة.. وبدأت حركات يديه تضطرب..ألححت عليه بالسؤال..وكررته مرات..
فجأة صرخ..بما يشبه الانفجار المكبوت..ثم تكوم حول نفسه..وهو يغالب ألم النزف الداخلى أعلى الفخذ..
فى هذا الموقف المعقد دار حوار معقد..حوار بلا لغة..وليست له ترجمة..لكن فحواه أن كل منهما يرفض بعناد أن يأخذ الحقنة..وكل منهما يصر على أن يعطيها لأخيه !!
الآن تحتم علينا أن تكون الحقنة الوحيدة من نصيب صاحب الحالة الأخطر.... وعلى الابن الأصغر أن يبتلع آلآم ركبته..ويقوم بحقن أخيه..الحقنة أصبحت معدة ..حيث تمت معادلة درجة حرارتها بدرجة حرارة الغرفة..وقمنا بتعليق الزجاجة التى تحتوى على مادة الحقن بأعلى المكان وامتد منها الخرطوم الذى ينتهى بسن الحقن،وقد أمسك به الابن الأصغر ليضعه برفق واحكام فى وريد أخيه..

صوت سقوط الزجاجة من أعلى وتحطمها هو الذى قطع لحظة الصمت الثقيلةالتى سبقت العملية..
لحظة غريبة من الدهشة والذهول..
ثم راح الأخوان فى الضحك بصوت عال..وقد احتضن كل منهما الآخر بكل ما أتيح لهما بقوة..
كنت وأمهما..وقوفا ..لانصدق مانراه..ولا ندرى ماذا سنفعل...!!
غيرأن مرارة شديدة التركيز كانت تنسكب فى حلقى..وأكاد أشعر بكبدى يتفتت بداخلى ويذوب فى دوامة الألم والحيرة..
لكنى..ولأول مرة فى حياتى أرى ابتسامة للألم........!!!!!