السبت، ٢٥ أكتوبر ٢٠٠٨

ابن المرحلة

كان أحد المدرسين الشباب الذين أعمل معهم ، غير أنه كان يتميز عن زملائه باهتمامه المبالغ فيه بمظهره ،بالرغم من الظروف المادية القاسية والتى لم تسمح له بالتمادى فى اهتماماته المظهرية الى مداه ..مما اضطره الى الاستدانة من طوب الأرض بالمدرسة..واضطرالى ابتكار طرق متعددة وحيل طريفة كى يحصل على المعلوم من زملائه،ومن الفراشين...وامتد نشاطه الى أولياء الأمور..والى جيرانه فى المسكن ،والذين أتوا مرارا الى المدرسة أملا فى استرداد ماأقرضوه...دون جدوى طبعا...


لكن خصلته المميزة له كانت اهتمامه الصارخ بكل قدم جديدة تطأ أرض المدرسة ...وكان اهتمامه يتصاعد حسب مكانة الزائر الجديد ،ويشتم ذوى الحيثيات والمناصب من بعد..ويقيم لهم طقوسا تبدو مثيرة للشفقة أحيانا ،ومثيرة للسخرية فى كل الأحيان !!

قلت  مرة للجميع ..لكنى كنت أعنيه أن علينا أن نعمل ونقوم بواجبنا..بغض النظر عن شخصية الزائر للمدرسة لأن الانسان الذى أنشئت المدرسة من أجله موجود دائما ..وهو أهم من يعنينا وأهم من أى زائر...وهو التلميذ...

مرت سنوات وهو يعانى شظف العيش..ويتجرع مرارة الاستدانة وهوان مطالبة الدائنين ومطارداتهم..غير أن عبقريته فى الايقاع بال  (زبون) ا لجديد الذىيخرج ما فى جيبه لم تخذله أبدا...حتى انتقل الىمكان آخر وانقطعت أخباره عنى حوالى سنتين...

وفجأة

وجدته أمامى..لكن أناقته مكتملة وليست ملفقة..ودراجته المتهالكة والتى كان يجرها أكثر مما يمتطيها..قد انقلبت الى سيارة من طراز فخم..
رآنى ..توقف..فتح باب السيارة..نزل منها ..واستند الى باب السيارة..وهو ينظر الى بنظرة أراد أن تكون متحدية...وقد غابت عن ملامحه سمات الانكسار التى كانت منابعها فى أعماقه..سلمت عليه ..شد على يدى بقوة..كان يريدنى أن أندهش ..ولكنى لم أفعل..وكان يريدنى أن أسأل .. ولكنى لم أفعل..وكان يريد أن يطيل اللقاء ..ولكنى لم أرغب..ومضى كل منا فى طريقه..

أدرك رفيقى..وهو زميل مشترك..أدرك الموقف..وقطع الصمت الذى لفنا برهة..وقال محاولا وضعى على طريق الفهم :
زميلنا استطاع فك الشفرة..ظل طوال السنوات الماضية يكون قاعدة من المعارف فى مواقع مختلفة..ومؤثرة..نواب وموظفين كبار ..ضباط..أطباء...الخ..
ثم بدأ فى دراسة احتياجات الناس..والعمل عليها حتى تنقضى ...وانفتح له كنز (على بابا) واحد مقبوض عليه متلبس فى قضية اتجار مخدرات..باجراءات بسيطة تتحول الى قضية تعاطى..واحد عاوزشهادة اعفاء من التجنيد..أوشهادة دراسية ..أو حتى محو أمية..أوقرار علاج على نفقة الدولة....الخ...

ثم علق رفيقى قائلا :طالما حاجات الناس لاتنتهى مشروعة وغير مشروعة...
وكثير جدا من أصحاب الحاجات  المشروعة لاتجد من يستجيب لها من المسئولين..
وطالما أن كثير امن المسئولين رحبوا باستثمار مناصبهم وصلا حياتهم الوظيفية فى الحصول على مقابل قضاء حاجات الناس...من هنا أتت أهمية صاحبنا ومن هنا هبطت عليه النعمة ..وتخلص من الفقر..

قال رفيقى كلاما كثيرا غاب عنى معظمه...لأن ذهنى شرد فى قصص أخرى  مشابهة..أبطالها تحولوا الى أثرياء لمجرد أنهم ..فكوا شفرة المرحلة... وجنوا العائد بالملايين...ولما طلب منى رفيقى الخروج من حالة الصمت والتعليق..قلت:

انه ابن المرحلة....
 





ليست هناك تعليقات: