الثلاثاء، ٣ نوفمبر ٢٠٢٠

الرقم السهل

 (والله العظيم أقول بالحق)...

ا- لرقم السهل -
يوم التخرج ليس ككل الأيام ..انه يوم الحصاد..بعد طول تعب ومعاناة ..
وهو (كانسان)ليس كغيره أيضا ..فاذا كانت معاناة الناس فى تحصيل غاياتهم المشروعة قيراطا ..فمعاناته ألف قيراط ..
زملاؤه فى الدراسة وأقرانه يمشون ويلعبون ويعملون ..وينامون ..
لكن الأقدار كتبت عليه أن يكون كل ذلك بالنسبة له هما كبيرا..وعبئا ثقيلا ..فهو محصور فى أدنى حركة ..وسجين أقرب مقعد ..وملازم دائم لفراشه ..وصديق لآلامه التى كثيرا ما تخون عهد الصداقة ..فتقسو عليه بأكثر مما يحتمل البشر ..
وهكذا كانت أيامه التى يعدها بالثوانى والدقائق..من فرط ثقلها ..وغلظتها ..لكن ايمانه بالحياة لايكبره الا ايمان عميق بالله..
ايمانه هذا جعل ابتسامه هائمة على وجهه يرسلها كحمامة سلام لكل أحداث الحياة وشخوصها وأزمانها ,وأزماتها.وأحوالها ...فتربط بينه وبين أطراف الحياة برباط من ود ومحبة وتسامح .وتصالح مع النفس ومع الغير..وكأنه أسعد خلق الله ..وأيسرهم أمرا وأوفرهم حظا ..
كم ذهب محمولا الى الاختبارات الدراسية فى كل المراحل..وكم من الآلآم تعتصره..وتذيب كيانه ..ولكن أبدا لم يجعل أحدا من حوله يشعر بشئ من آلآمه ..ولا يعرف أحد كيف يخرج منتصرا على معانته ..وعلى اختباراته معا ..
كان من الأوائل بين أقرانه ..وكان بعض من أساتذته يملكون القدر الكافى من الحس الراقى الذى يقيم هذا النموذج الفريد من التجارب الانسانية...
هذه أستاذة له ..تفخر به بين طلابها ..وتعبر عن اعتزازها بأن مجهوده الخرافى جعله أهلا لأن يأخذ مكانه بين هيئة تدريس الكلية التى تخرج فيها ..
لكن آخرون افتقدوا كل القيم ..كان لهم رأى آخر ..واستأثروا بهذه المكانة لأتباعهم ..حتى لو كانوا أقل جدارة ..
واغتصب حق له فى وضح النهار ..
لكنه بعد ذلك ..ترشح ضمن أوائل المتخرجين للعمل بالتدريس فى احدى الادارات ..وقدم كافة أوراقه ..وكان من بين الذين تم تعيينهم ..
ذهب لاستلام العمل ..لاحظ أحدهم حالته الصحية ..تحدث معه ..أخبره صاحبنا أنه قدم من بين أوراقه ما يدل على حالته الصحية ..قال له الوظيفة لاتنطبق عليك ..
- لماذا ؟
- لأنك لست من الأسوياء.!
- وحقى فى المساواة بزملائى ؟
- أنت وأصحاب الاحتياجات والظروف الخاصة لكم نظام مختلف ..عن هؤلاء
- هل هذا النظام المختلف لى ومن مثلى..وضع ليقدم لنا ميزة باعتبار الظروف الخاصة بنا ..ويحقق التكافل الموجود فى المجتمعات البشرية أم ليحرمنا من حق ؟
- عليك الانتظار عديد من السنوات حتى يأتى دورك فى التعيين ..والعمل ..
- التضامن مع حالتى الصعبة وظروفى الخاصة لا تعترفون به ..فأين حق المساواة مع زملائى ..وتقدير المجتمع للمجتهدين والمتفوقين من أبنائه..والذى على أساسه كانت المسابقة التى تحصلت فيها على المراكز الأولى.؟
- هزة كتف..وزمة شفة ..ونظرة عين وضيعة ..كنظرة لص لئيم ..وتستطيع أن ترى كل الأحاسيس الانسانية وهى هالة مجمدة مقيدة ..ولكنها تنأى بذاتها عن هذا المسئول اللا مسئول ..وأمثاله ..ولك أن تتخيل قطرة من عرق انحدرت رغم ارادته على جبين..هو ساحة لفوضى انعدام الضمير وغياب العدالة..والفسادالأخلاقى...والتشوه الانسانى ...والظلم الذى بات متعة لدى مرضى النفوس والقلوب..
.
رأى صاحبنا هذا المشهد. المخزى .بوضوح..فأنهاه بالوقوف المؤلم ..ثم الانصراف..لكن ابتسامة فيها نبض الايمان ماتزال تشرق على وجهه..كما تشرق الشمس كل صباح على العالم الذى لم يبرأ يوما من سواد الظلم وعفن الفساد ...
غدا : الرقم الصعب..!!!
الحاج محمود صبح، جمال عبدالملك وشخص آخر
تعليق واحد
مشاركة

ليست هناك تعليقات: