الخميس، ١٢ نوفمبر ٢٠٢٠

 الرقم الصعب ...(5)

أحب نفسه ملتزما بتشكيلة من الأفكار التى لاتستهوى الكثيرين ..
منها على سبيل المثال الزهد فى المواقع القيادية فى مجال عمله ..حتى ولو تقلدها من هم أدناه ..وكثيرا ما قال لزملائه:
- (الحمد لله ...مجال عملنا خال من الغنائم ..وليس فى السلم الوظيفى المتاح لنا درجة ترضى طموح طامح..أو تشبع نهم طامع ..الا مكان واحد ..أشعر فيه برضا ربنا ...انه المكان الذى أقف فيه أمام تلاميذى أمسك بالطباشير ..وأطبع نتاج عقلى وقلبى على السبورة ..متاحا لمن يريد من تلاميذى ),,
ثم يعقب ..:(ليس فى سلمنا الوظيفى درجة أشتهيها أو أتوق اليها ..)
وكان لايخفى عليه التباين الشديد فى استقبال الزملاء لهذه المقولات التى يدرك أنها لاتتسم بالعملية والواقعية ..
أما معاركه الدائمة فى محيط العمل فكانت تدور حول فكرة (الغش) وفكرة (المساواة وتكافؤ الفرص )بين التلاميذ بنزاهة وحياد..وربما كان لذلك جذور قديمة أيام التلمذة ..لأنه كان يكره تمييز بعض المعلمين لبعض التلاميذ لاعتبارات ذاتية ..
ولأنه لايسعى الى فرص ..فالفرص تجنبته أيضا ..فرص الترقى ..والامتيازات ,,وو..
وعقب ثورة يناير ..اجتاحت البلاد موجة عابرة من انتعاش الضمير العام ..ويبدو أن هذه الموجة نثرت رذاذها على وزارة التربية والتعليم ..فانتحى المحاسيب جانبا (الى حين )وكذلك المتسلقون ..ومن على الشاكلة ..وأراد البعض أن تعطى بعض الحقوق لأصحابها ..
تسلم الاخطار الهام :(تم تكليفك رئيسا للجنة الثانوية العامة بمحافظة ..........)
اللجنة ضخمة تتوسط عاصمة المحافظة .......والله المستعان ..
بدأ العمل والتجهيز ..ودراسة التعليمات وكل ما يتعلق بهذا العمل الدقيق..واستمر منهمكا فى العمل حتى وقت متأخر..عاد الى الاستراحة ..وهى واحدة من مدارس المدينة ..وقبل أن تكون مدرسة كانت فيللا يبدو فى معمارها الجمال والأناقة والفخامة ..وفى خلفها حديقة صغيرة لكنها رائعة ..
استراح قليلا ..ثم نزل الى (الهول الأرضى )حيث يتواجد زملاء العمل متحلقين حول التليفزيون لمتابعة برامج (التوك شو )المسائية والتى كانت موضع اهتمام الكافة ..فى تلك الفترة ..اذ تقوم بتغطية الأحداث المتلاحقة والتعليق عليها ..
كان الناس يتابعون ذلك فى مجالسهم بلهفة واهتمام ..ثم يتبعون ذلك دائما بجدال هادئ أحيانا ..صاخب كثيرا ..
كان يدرك الاتجاهات البارزة على الساحة المجتمعية التى تغلى وتفور ..
وكان يعلم بمدى الاستقظاب الحاد نحو تلك المحاور التى تزداد تباعدا ..وحدة ..وعدائية ..
هذا شاب ثلاثينى غاضب مما يجرى فى البلد ..ومما آلت اليه الأحداث بعد ثورة يناير ..التى يقول عنها بفخر ..أنها أمجد أيام الوطن ..وأنها كانت فرصة تاريخية لأن تنفض مصر عن نفسها غبارقرون الضياع والتخلف..وتلحق بركب العالم المتقدم ان هى حققت أهداف الثورة وشعاراتها فى الحرية التى هى أساس الابداع ..والعدالة التى هى رمانة الميزان ..والكرامة التى هى حق الانسان الأول كما أراده الله ..
بينما زميله الأخوانى..يرى أن عزة الوطن لاتكون الا تحت راية الدين ...ولابد أن يكون المسلمون تحت راية واحدة هى راية الخلافة المفقودة ..والتى يجاهد الاخوان ليعيدوها ..وما الثورة الا الخطوة الأولى نحو هذا الهدف المقدس ...وأن مصر هى المحطة الأولى ومنها يكون الانطلاق..
ولم يتوان الطرف الثالث عن تسجيل رؤيته فى هذه المحاورة التلقائية..ولم ينس المتحدث أن يؤكد على الواقعية والعقلانية ..وكأنه يوصم محاوريه بالغلو والافتعال ..ويركز على أن البلد تقوم على ثوابت اجتماعية وتاريخية تضيع البلاد اذا ما اختلت عنها ..ووضح هذا بأهمية الحفاظ على استقرار الطبقات الاجتماعية ..فالكبير كبير ..والصغير صغير ..(كما قال )..وجيش مصر هو رأسها ..وعمادها ..وحاميها..ومؤسسات الدولة التى أسماها (السيادية )..يجب أن تحاط بالحصانة..
.....
كان يتابع الحوار بكل الاهتمام ..ولم يرغب فى المشاركة وابداء رأي ما ...وكان يرى أن هذا التفاعل بين الأفكار والتيارات والاتجاهات مهما كان اختلافها ..هو أمر جيد ..ولا بد أن يعود على البلد بالفائدة ..وهو تعبير عن الحيوية ..وأن العقول قد أفاقت أخيرا من نومتها التى طالت كثيرا ..
لكن ما استرعى انتباهه ..أن حالة الاستقطاب قد طغت على حالة الاستفاقة ..وأن الزملاء قد بدأوا يأتلفون على حسب آرائهم التى استعرضوها معا ..بات الثورى يقترب من الثورى ..والاخوانى يتعصب للأخوانى ..والطرف الثالث يضم بعضه الى بعض ..
فلما كان الصباح وبدأ العمل فى اللجنة الكبيرة ..رأى بوادر انعكاس مناقشات المساء على سير العمل ..وعلاقات الزملاء ..حينئذ كانت دعوته الى اجتماع سريع وهام :
- الزملاء الكرام جميعا ..استفدت فى المساء بآرائكم والتى ذهب فيها كل منكم الى ما يشاء ..
- لكننا هنا الآن على عقل وقلب رجل واحد لهدف واحد ...كالحرب تماما ..لامجال فى هذه اللحظة للتمييز فيما بيننا على أساس ما يعتقد به ..أو يرتئيه ..أو التيار الذى ينتمى اليه
- التمييز هنا على أساس الكفاءة والالتزام والقدرة على تحقيق المهمة ..
- لايعنينى هنا من هو الثورى ومن هو الوطنى ومن هو المتدين ..بل ولا من هو المسلم منكم وغير المسلم ...
- الذى يعنينا جميعا أن نؤدى عملنا بفهم ونزاهة ونجاح ..وبأقل قدر من الأخطاء اليسيرة ..شريطة تداركها الفورى أما الأخطاء التى تؤثر فى صميم مهمتنا ...فهى حرام على وعليكم ...
**************************************************
الرقم الصعب فى اللقاء القادم
أم شادي ومحمود سعده

ليست هناك تعليقات: